المسلمون ودورھم
October 21, 2017القادياني والقاديانية
October 21, 2017كنت في رحلتي في الشرق الأوسط في 1951م أواجه سؤالا كان يتكرر ويوجه في كل مجلس وفي كل مناسبة: ما عدد المسلمين في الهند؟ فأجيب أنهم أربعون مليوناً، وهناك يندهش الناس ويندفع بعضهم قائلاً: يا سلام أربعون مليوناً! فلولا ثقتهم بالضيف ولولا الجد في الجواب، لسارعوا إلى التكذيب أو الشك على الأقل، لأنهم ما كانوا ينتظرون بعد ما سمعوا عن موجات الهجرة الكبيرة وعدد النازحين الضخم، أن المسلمين سيكونون مليوناً واحداً فضلاً عن أربعين مليوناً، إذن فلا غرابة في استغرابهم.
لقد كانت هذه مفاجأة لا تفارقني أينما حللت ونزلت، مفاجأة للمجيب لاستغرابهم، وهناك مفاجآت أخرى فيما يتصل بالمسلمين في الهند، فالذين كانوا يعرفون أن في الهند عدداً كبيراً من المسلمين ـ على قلة هؤلاء ـ كانوا يعتقدون أن المسلمين لا شأن لهم في هذا القطر العظيم، وليست له حضارة خاصة، ولا ثقافة واسعة، ولا آداب سامية، ولا مؤسسات علمية، ولا نشاط ولا إنتاج في العلم والأدب، إنما هم كالرعاع أو أمة قد أفلست في كل مقومات الحياة، وفي كل ما تعتز به أمة من علم وأدب، ودين واجتماع، وأخلاق ومروءة.
بل قد كان بعض الإخوان يسأل، هل في الهند مساجد، هل فيها مدارس دينية، هل عندكم علماء، هل يوجد هناك من يحسن أن يقرأ القرآن، هل هناك من يفهم العربية؟ أسئلة تدل على أن معلومات إخواننا العرب عن المسلمين في الهند ضئيلة جدا، وتدل كذلك على تقصير علماء الهند في القيام بمهمة التعريف بهذا القطر العظيم، وبهذه الأمة الإسلامية العظيمة التي مثلت دوراً رائعا في تاريخ الإسلام وتاريخ العلم العام.
وأنجبت الهند رجالاً شهد لهم علماء العرب بالفضل، وعكفوا على كتبهم ومؤلفاتهم ينقلون ويقتبسون ويحتجون، وقد أنجبت كذلك علماء يندر نظيرهم في الذكاء، وخصوبة الفكر والابتكار العلمي، وأنجبت من الملوك رجالا يتفردون في حسن سياستهم وتنظيمهم للدولة، وسن القوانين العادلة، وفي فضائلهم الخلقية، والعلمية والعملية، والجمع بين الدين والدنيا.
ولا تزال الهند مأهولة بشعب مسلم قوي في دينه، غني في علمه وبرجاله، مخصب في عقله، متوقد الذهن نشيط مصمم على الاقامة في وطنه الذي خدمه ألف سنة، وأغناه في العلم والحضارة، والدين والاجتماع، وكان من صانعيه.
ذلك يدفعني إلى أن أقدم إلى إخواني في الشرق العربي هذا الكتاب، يتحدث عن الهند وعن إخوانهم فيها قديماً وحديثاً، ويتناول هذا الحديث نواحي شتى في الحياة العلمية والاجتماعية والدينية، وعما أضافه المسلمون إلى ثروة الهند منذ دخولها وما أدخلوا عليها من إصلاحات وتجديدات في مختلف نواحي الحياة، وعما أنتجه المسلمون في الهند في العلوم الإسلامية وما زادوا إلى تراثها، ومن نبغ فيها من العلماء الكبار والمؤلفين العظام، وعن مظاهر نشاط المسلمين العلمي والديني، ومراكزه الكبيرة في العصر الحاضر، وعن خصائص هذا الشعب وطبيعته وشخصيته وعن ماضيه وحاضره، وعن قضاياه الرئيسية ومشكلاته، عسى أن يكون حلقة ـ ظلت مفقودة زمناً طويلاً ـ في سلسلة تنوير الرأي العام والتزويد بالمعلومات الصحيحة، وفي سبيل التعارف الإسلامي.
ويحملني على تقديم هذا الكتاب أيضاً أننا نلاحظ أن كثيراً من أقطاب السياسة والثقافة ورجالات العالم الإسلامي والشرق العربي يعرفون عن البوذيين والجينيين أكثر مما يعرفونه عن المسلمين الذين يشاركونهم في العقيدة والثقافة والحضارة، والذين كانوا بناة الهند الجديدة وصانعيها، والذين هم من أغنى شعوب العالم علماً وإنتاجاً وحكماً وإدارة وآثاراً ومخلفات، ولا يزالون مصدر قوة وأمل.
إلى هؤلاء وأولئك جميعاً أقدم هذا الكتاب.
al-muslimoona-fil-hind