في مسيرة الحياة 2

في مسيرة الحياة 1 | fi masiratil hayat
في مسيرة الحياة 1
October 25, 2017
في مسيرة الحياة 3 | fi masiratil hayat-3
في مسيرة الحياة 3
October 25, 2017
Show all

فإنه قد صدرت بقلم المؤلف كتب ورسائل في موضوع العقائد والعبادات وتفسير الآيات القرآنية الكريمة والسيرة النبوية العطرة ـ الموضوع الدقيق الجليل الخطير ـ بما إلى ذلك من موضوع التاريخ والسير والتراجم الذي يتطلب المسؤولية التاريخية الحساسة إلى موضوع الكتابة عن الشخصيات المعاصرة، الحرج الشائك الوعر، إلى مواضيع الأدب والشعر اللطيفة الرقيقة، وموضوعات الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية الواسعة المهمة، فقد صدرت عشرات من الكتب بقلم المؤلف في هذه المجالات الفسيحة المتنوعة، ولكنه لم يواجه في بدء أي تأليف جديد هذا الصراع العقلي والتردد النفسي الذي واجهه في بدء هذا المؤلف عن حياته، وقصة ماضيه، وقد مضت أعوام وسنون، والمؤلف يقدم رجلاً ويؤخر أخرى، يتهيب الخوض في هذا الموضوع، ولا يجرؤ على الكتابة فيه.
وقد كان لذلك أسباب عديدة، منها تلك الكلمة المأثورة الحكيمة
(ما هلك امرؤ عرف قدره) التي كانت في ضوئها استصغرت نفسي في مجال التنويه بها وأتضاءل أمام الرجال الذين كتب في سيرتهم وتراجمهم، أو تناولوا تقييد المذكرات لحياتهم، فلم أكن يوماً سياسياً بارزاً، ولا قائداً محنكاً، ولا صاحب شهرة وجاه عريض، أو تربية وإرشاد، ولا نابغة من نوابغ العلم والفن، لم يكن شيء من ذلك حتى يسوغ في التأليف عن نفسي.
وقد كان من الدوافع إلى هذا التأليف أنني سوف أجد عن طريقه فرصة طيبة ضمن بيان عقليتي وتفكيري، وتطوراتهما، وتاريخ الإنشاء والكتابة والتأليف في حياتي، وأهم الأحداث والوقائع، والحركات والدعوات في عهدي، لعرض آرائي وأفكاري، ومشاهداتي وانطباعاتي، ودعوتي ومنهجي بصورة مختصرة، وعرض النقاط الأساسية الرئيسية من كتاباتي ومؤلفاتي، وتقديم مقتطفات مهمة منها، وهي منشورة مبعثرة في كثير من مقالاتي ومحاضراتي ومؤلفاتي، التي بلغت أكثر من خمسة وسبعين مؤلفاً، ليس من اليسر أن يقف عليها من يريد الاطلاع على آرائي فيها في وقت واحد.
وسوف يجد القراء الكرام في محتويات الكتاب إطناباً وإطالة أحياناً، ولكن الذي أراه أنه لا بد من الاعتراف بالفرق الطبيعي بين كتب التاريخ والتراجم وكتب الحياة الشخصية، إذ أن المؤلف في كتب التاريخ والتراجم يكون ممثلاً عن تلك الشخصيات التي يكتب عنها، ومحامياً لها ومدافعاً عنها، ومتقيداً بكثير من الالتزامات فيها، ويكون هو حراً طليقاً في الكتابة عن حياته نفسه، وممثلاً لذاته، ومتحدثاً عنها، فلا يصح ـ إذن ـ أن تقاس محتويات كتب الحياة الشخصية بمقياس الاتزان والتناسب الدقيق، الذي تقاس به محتويات كتب التاريخ والتراجم فالواجب أن يسمح للمؤلف عن نفسه أن يستخدم الإيجاز أو الأطناب والإجمال أو التفصيل، حسب وجهة نظره، وحسب انطباعاته في حياته واعتباره للأهمية والخطورة لشيء دون آخر، وإلاّ فسوف ينعدم الفارق المطلوب بين الكتاب عن النفس والكتاب عن الغير.
والسعيد من وعظ بغيره، والعاقل من انتفع بتجارب الآخرين، فإنها ثروة مشتركة، وحق مشاع، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال:
“الحكمة ضالّة المؤمن حيث وجدها فهو أحق بها”.

fi-masiratil-hayat-2