موقف العالم الإسلامي تجاه الحضارة الغربية
October 25, 2017موقف المسلم إزاء أسلافه الجاهليين
October 25, 2017كان العالم الإسلامي في حاجة شديدة إلى شخصية قوية عبقرية مجددة، قد وصلت بدراستها إلى أحشاء الفلسفة، ثم خرجت منها سالمة، وقد شاهد بتجاربه الواسعة أن الفلسفة سراب يحسبه الجاهل ماء، وأن تدقيقاتها وما تزهى به من بحث وتحقيق طلاسم لفظية وطبول فارغة، يرغب فيها من لم يختبرها ويتعمق فيها.
كان العالم الإسلامي في حاجة إلى شخصية تستطيع أن تنفخ بقلبها الولوع وعاطفتها القوية روحا جديدة في المجتمع، الذي طغى عليه العقل ـ على حساب العاطفة ـ وساد عليه الخمود، شخصية تستطيع أن تؤسس كلاما جديدا لايصارع العقول، ولا يكتفى بافحام المجادلين، بل يحل العقد النفسية والفكرية التي خلفها علم الكلام ويملأ القلوب سكينة وإيمانا.
لقد وجد هذا الرجل المطلوب في شخصية مولانا “جلال الدين الرومي”. وقد كان ديوان شعره الذي يعرف عادة بـ “المثنوى المعنوى” ثورة على علم الكلام الذي فقد جدته وقوته، ونقد الفلسفة في اتجاهها ومنهجها، وعلى الفلسفة التي تجاوزت حدودها، وبالغت في تقدير الحواس وتقديس العقل، وكان أساسا لكلام جديد كان أكثر اقناعاً للعقول الجامحة الثائرة، والنفوس المضطربة الجائرة من علم الكلام، الذي تزعم ذلك وتكفل به طوال القرون.
تدل ترجمة حياة “جلال الدين” على أنه كان قوي العاطفة، وجدانيا، ملتهب الروح ولوع القلب، صاحب استعداد كبير ومواهب عظيمة، قد عجنت طينته بالحب، وقد غطى هذه الشرارة الانهماك في العلوم الظاهرة، والاشتغال الزائد بالعقليات، وجاء شمس الدين التبريزي ـ وهو شعلة حب ووجدان ـ فألهب هذه الشرارة الكامنة، وأثار الطبيعة المطمورة في ركام البيئة والعادة، والثقافة والتربية، فاذا بجلال الدين عود ملتهب، ومجمرة مشتعلة، وعين بصيرة مفتوحة، ونفس حساسة تواقة، قد اشتعلت حاسته الباطنة، وارتفعت عن عينه الحجب، وانكشفت له الحقائق المستورة وراء الألفاظ، وانهالت عليه المعاني، وتواردت على قلبه وضميره العلوم الصحيحة، فأترعت كأسه وفاضت، وكل من كان هذا شأنه يصعب عليه السكوت والهدوء ويعز ألا يجد أنيساً أو جليساً يرى فيه صورة نفسه، ويفضى إليه بذات صدره، ويشكو إليه آلامه وآماله، ويبث إليه أسراره وأفكاره
mawlana jalaluddin roomi