رجال الفكر والدعوة في الإسلام (2)
October 26, 2017رجال الفكر والدعوة في الإسلام (4)
October 26, 2017الجزء الثاني ـ الجزء الثالث
رأى المؤلف أنه إذا تم هذا العمل (الكتاب) بإخلاص وصفاء نية وجهود موفقة فإنه لا يكون عملاً نافعاً مستمراً فحسب، بل سيكون ـ إذا قدر الله تعالى ـ هدية قيمة أو رسالة حية للقرن الخامس عشر الهجري، ووثيقة تاريخية لمنجزات عبد صالح من عباد الله المخلصين، قام بها في دأب وصمت، وتواضح وخشوع، ولم يقتصر تأثرها على قرن واحد، بل امتد حتى شمل الألف الثاني كله.
وبعد فإن الحكاية يرجع تاريخها إلى عام 1454 ـ 1355هـ حين أوصاني أخي ومربي الدكتور السيد علد العلي الحسني ـ رحمه الله ـ أمين ندوة العلماء ـ سابقاً ـ بقراءة “رسائل الإمام الرباني مجدد الألف الثاني الشيخ أحمد بن عبدالأحد السرهندي” وقد كنت ـ إذ ذاك ـ في الثانية والعشرين، أو الثالثة والعشرين من عمري، وكنت انخرطت ـ حديثاً ـ في سلك المدرسين بدار العلوم ندوة العلماء، ولم يكن لي آنذاك اتجاه كبير إلى الأبحاث العميقة في الحقائق الدينية، وحقيقة الإحسان.
وكانت أسرتي منذ ثلاثة قرون ـ على أقل تقدير ـ ذات اتصال وثيق ـ فكريا وروحياً ـ مع أسرة الإمام السرهندي ـ والإمام أحمد بن عبدالرحيم المشهور بولي الله الدهلوي.
وحالفني التوفيق فمضيت، وكلما ازددت قراءة لهذه الرسائل ازددت رغبة فيها وتذوقها لها، وبدأت أسيغ الموضوع في حدود علمي وقدرتي على الفهم حتى أخذ الكتاب بمجامع قلبي وأصبحت له أسيراً، أشعر فيه بلذة غريبة، وطعم لذيذ، لا أكاد أجده في الكتب الأدبية الممتعة.
ولكني كلما فكرت في إفراد كتاب لترجمة هذا الإمام اعترضتني عقبتان: أولاهما: أن أي كتاب يتناول سيرة الإمام السرهندي لا يمكن أن يخلو من إثارة قضية “وحدة الوجود” و “وحدة الشهود” وشرحهما وإفهامهما للنّشء الجديد، والمقارنة بينهما، وترجيح نظيرة “وحدة الشهود” مع الأدلة العلمية، والمناقشة الناقدة الدقيقة، فحين كانت تتمثل لي هذه المهمة الضخمة تكلّ عنها قواي، وينصرف عنها قلمي لأمور: منها: أن هذا الموضوع قد تكونت فيه مكتبة واسعة لا يتيسر الاختيار منها، وتلخيصها واختصارها. ثم إن هذه القضية تحتاج إلى المباحث الفلسفية الدقيقة، وتفسير المصطلحات الفنية التي كثر فيها النزاع، وثار حولها الجدال، ولا يمكن دون ذلك الخوض في الموضوع.
أضف إلى ذلك أن هذه القضية عملية ذوقية تجريبية، أكثر منها نظرية وعلمية، تعتمد على أحاسيس ومشاعر خاصة، وتجارب شخصية وليس المؤلف منها في عير ولا نفير، كما أن كثراً من قراء هذا الكتاب لا يجهلون هذه العلوم فحسب، بل ينفرون منها، ويستوحشون من ذكرها، فما كنت أعرف تجاه هذه المشاكل طريق التغلب عليها، ومن لي بالظفر في هذه المفازة الطويلة.
وبعد طويل تفكير وتردد ونظر، انحلت المشكلة الأولى، فقلت: ينيغي أن آخذ بمبدأ “ما لا يُدرك كله لا يُترك جله” وأقدم على جُلّ هذه المصطلحات وشرحها مستعيناً في ذلك بما جاء في كتب الشراح المحققين من علماء المدرسة الفكرية للشيخ محيي الدين بن عربي، وما جاء في هذه الرسائل نفسها من إشارات وتفسيرات، حتى يتيسر للقارئ الوقوف على هذا العلم ـ بصورة إجمالية ـ ومن أحب أن يستزيد وساعده التوفيق يرجع إلى المصادر الأساسية، أو يراجع العلماء المتخصصين في هذا الفن والغواصين في هذا البحر الزاخر ممن رسخوا في هذا العلم، وتذوقوه وفقهوه، “وقليل ماهم”.
وكان هذا الجزء الثالث يبحث عن الشخصية الفريدة التي حازت من القبول والعظمة والصيت البعيد في جهوده الموفقة لتجديد الدين، ما لم يحظ به أي مصلح وداع في تاريخ الإصلاح والتجديد في القرون الأخيرة، حتى إن اشتهاره بـ”مجدد الألف الثاني” طغى على اسمه، وحل محله ولا يعرفه كثير من المثقفين إلا بهذا اللقب.
مآثر الإمام ولي الله الدهلوي التجديدية تمهيد إصلاح العقائد والدعوة إلى القرآن
إن الأعمال والمآثر الجليلة التي وفق الله تعالى الإمام الدهلوي لتحقيقها وإنجازها من التجديد وإصلاح الأمة، وإحياء الفهم الصحيح للدين، ونشر العلوم النبوية وإعادة الحياة والنشاط والحيوية في فكر عهده والأمة الإسلامية وعملها وجهودها، تتسع دائرتها وتتنوع شُعبها بحيث لا يوجد له نظير لا في المعاصرين فحسب، بل في عامة العلماء والمؤلفين في العهود السابقة أيضاً، ويمكن أن يكون سبب ذلك ـ عدا التوفيق والتقدير الإلهيين ـ يرجع إلى مقتضيات ذلك العهد الذي عاشه، وإلى ذلك الاحتواء والشمول وعلو الهمة، والمنهج الخاص للتعليم والتربية الذي خصه الله وقدره له.
وقد كان نتيجة كل ذلك أن الإمام الدهلوي قام بمآثره التجديدية والإصلاحية في مجالات متنوعة من العلم والعمل، حتى إن المترجم له والكاتب في “تاريخ رجال الفكر والدعوة في الإسلام” ليواجه الصعوبة في استيعابها ودراستها التحليلية والتفصيلية والذي يريد استيعاب هذه الجوانب والمجالات كلها فإن لسانه يُنشد ويشكو. وإذا أردنا أن نفرقها في مواضيع مستقلة، فهي تأتي بهذه العناوين البارزة:
1ـ إصلاح العقائد والدعوة إلى القرآن.
2ـ القيام بنشر الحديث الشريف وترويجه، والجهود الموفقة للتطبيق بين الفقه والحديث والدعوة إليه.
3ـ عرض الشريعة الإسلامية في صورة متنافسة مدعمة بالأدلة والبراهين، والكشف عن أسرار الأحكام الشرعية ومقاصدها وحكمها.
4ـ بيان مكانة الخلافة ووظيفتها في الإسلام، وشرح خصائص الخلافة الراشدة ومميزاتها وإثباتها بالأدلة، والرد على الروافض.
5ـ عملة التجديدي القيادي في عهد الاضطراب السياسي، واختصار الدولة المغولية.
6ـ الحسبة على مختلف طبقات الأمة، ودعوتها إلى الإصلاح والتغيير.
7ـ القيام بتربية العلماء الراسخين ورجال العزيمة والكفاح وتخريجهم حتى يقوموا ـ بعده ـ بهذا العمل التجديدي من الإصلاح ونشر الدين الصحيح وينقلوه إلى الأجيال القادمة.
رأى المؤلف أنه إذا تم هذا العمل (الكتاب) بإخلاص وصفاء نية وجهود موفقة فإنه لا يكون عملاً نافعاً مستمراً فحسب، بل سيكون ـ إذا قدر الله تعالى ـ هدية قيمة أو رسالة حية للقرن الخامس عشر الهجري، ووثيقة تاريخية لمنجزات عبد صالح من عباد الله المخلصين، قام بها في دأب وصمت، وتواضح وخشوع، ولم يقتصر تأثرها على قرن واحد، بل امتد حتى شمل الألف الثاني كله.
وبعد فإن الحكاية يرجع تاريخها إلى عام 1454 ـ 1355هـ حين أوصاني أخي ومربي الدكتور السيد علد العلي الحسني ـ رحمه الله ـ أمين ندوة العلماء ـ سابقاً ـ بقراءة “رسائل الإمام الرباني مجدد الألف الثاني الشيخ أحمد بن عبدالأحد السرهندي” وقد كنت ـ إذ ذاك ـ في الثانية والعشرين، أو الثالثة والعشرين من عمري، وكنت انخرطت ـ حديثاً ـ في سلك المدرسين بدار العلوم ندوة العلماء، ولم يكن لي آنذاك اتجاه كبير إلى الأبحاث العميقة في الحقائق الدينية، وحقيقة الإحسان.
وكانت أسرتي منذ ثلاثة قرون ـ على أقل تقدير ـ ذات اتصال وثيق ـ فكريا وروحياً ـ مع أسرة الإمام السرهندي ـ والإمام أحمد بن عبدالرحيم المشهور بولي الله الدهلوي.
وحالفني التوفيق فمضيت، وكلما ازددت قراءة لهذه الرسائل ازددت رغبة فيها وتذوقها لها، وبدأت أسيغ الموضوع في حدود علمي وقدرتي على الفهم حتى أخذ الكتاب بمجامع قلبي وأصبحت له أسيراً، أشعر فيه بلذة غريبة، وطعم لذيذ، لا أكاد أجده في الكتب الأدبية الممتعة.
ولكني كلما فكرت في إفراد كتاب لترجمة هذا الإمام اعترضتني عقبتان: أولاهما: أن أي كتاب يتناول سيرة الإمام السرهندي لا يمكن أن يخلو من إثارة قضية “وحدة الوجود” و “وحدة الشهود” وشرحهما وإفهامهما للنّشء الجديد، والمقارنة بينهما، وترجيح نظيرة “وحدة الشهود” مع الأدلة العلمية، والمناقشة الناقدة الدقيقة، فحين كانت تتمثل لي هذه المهمة الضخمة تكلّ عنها قواي، وينصرف عنها قلمي لأمور: منها: أن هذا الموضوع قد تكونت فيه مكتبة واسعة لا يتيسر الاختيار منها، وتلخيصها واختصارها. ثم إن هذه القضية تحتاج إلى المباحث الفلسفية الدقيقة، وتفسير المصطلحات الفنية التي كثر فيها النزاع، وثار حولها الجدال، ولا يمكن دون ذلك الخوض في الموضوع.
أضف إلى ذلك أن هذه القضية عملية ذوقية تجريبية، أكثر منها نظرية وعلمية، تعتمد على أحاسيس ومشاعر خاصة، وتجارب شخصية وليس المؤلف منها في عير ولا نفير، كما أن كثراً من قراء هذا الكتاب لا يجهلون هذه العلوم فحسب، بل ينفرون منها، ويستوحشون من ذكرها، فما كنت أعرف تجاه هذه المشاكل طريق التغلب عليها، ومن لي بالظفر في هذه المفازة الطويلة.
وبعد طويل تفكير وتردد ونظر، انحلت المشكلة الأولى، فقلت: ينيغي أن آخذ بمبدأ “ما لا يُدرك كله لا يُترك جله” وأقدم على جُلّ هذه المصطلحات وشرحها مستعيناً في ذلك بما جاء في كتب الشراح المحققين من علماء المدرسة الفكرية للشيخ محيي الدين بن عربي، وما جاء في هذه الرسائل نفسها من إشارات وتفسيرات، حتى يتيسر للقارئ الوقوف على هذا العلم ـ بصورة إجمالية ـ ومن أحب أن يستزيد وساعده التوفيق يرجع إلى المصادر الأساسية، أو يراجع العلماء المتخصصين في هذا الفن والغواصين في هذا البحر الزاخر ممن رسخوا في هذا العلم، وتذوقوه وفقهوه، “وقليل ماهم”.
وكان هذا الجزء الثالث يبحث عن الشخصية الفريدة التي حازت من القبول والعظمة والصيت البعيد في جهوده الموفقة لتجديد الدين، ما لم يحظ به أي مصلح وداع في تاريخ الإصلاح والتجديد في القرون الأخيرة، حتى إن اشتهاره بـ”مجدد الألف الثاني” طغى على اسمه، وحل محله ولا يعرفه كثير من المثقفين إلا بهذا اللقب.
مآثر الإمام ولي الله الدهلوي التجديدية تمهيد إصلاح العقائد والدعوة إلى القرآن
إن الأعمال والمآثر الجليلة التي وفق الله تعالى الإمام الدهلوي لتحقيقها وإنجازها من التجديد وإصلاح الأمة، وإحياء الفهم الصحيح للدين، ونشر العلوم النبوية وإعادة الحياة والنشاط والحيوية في فكر عهده والأمة الإسلامية وعملها وجهودها، تتسع دائرتها وتتنوع شُعبها بحيث لا يوجد له نظير لا في المعاصرين فحسب، بل في عامة العلماء والمؤلفين في العهود السابقة أيضاً، ويمكن أن يكون سبب ذلك ـ عدا التوفيق والتقدير الإلهيين ـ يرجع إلى مقتضيات ذلك العهد الذي عاشه، وإلى ذلك الاحتواء والشمول وعلو الهمة، والمنهج الخاص للتعليم والتربية الذي خصه الله وقدره له.
وقد كان نتيجة كل ذلك أن الإمام الدهلوي قام بمآثره التجديدية والإصلاحية في مجالات متنوعة من العلم والعمل، حتى إن المترجم له والكاتب في “تاريخ رجال الفكر والدعوة في الإسلام” ليواجه الصعوبة في استيعابها ودراستها التحليلية والتفصيلية والذي يريد استيعاب هذه الجوانب والمجالات كلها فإن لسانه يُنشد ويشكو. وإذا أردنا أن نفرقها في مواضيع مستقلة، فهي تأتي بهذه العناوين البارزة:
1ـ إصلاح العقائد والدعوة إلى القرآن.
2ـ القيام بنشر الحديث الشريف وترويجه، والجهود الموفقة للتطبيق بين الفقه والحديث والدعوة إليه.
3ـ عرض الشريعة الإسلامية في صورة متنافسة مدعمة بالأدلة والبراهين، والكشف عن أسرار الأحكام الشرعية ومقاصدها وحكمها.
4ـ بيان مكانة الخلافة ووظيفتها في الإسلام، وشرح خصائص الخلافة الراشدة ومميزاتها وإثباتها بالأدلة، والرد على الروافض.
5ـ عملة التجديدي القيادي في عهد الاضطراب السياسي، واختصار الدولة المغولية.
6ـ الحسبة على مختلف طبقات الأمة، ودعوتها إلى الإصلاح والتغيير.
7ـ القيام بتربية العلماء الراسخين ورجال العزيمة والكفاح وتخريجهم حتى يقوموا ـ بعده ـ بهذا العمل التجديدي من الإصلاح ونشر الدين الصحيح وينقلوه إلى الأجيال القادمة.
rijalul-fikra-waddawah-fil-islam-3